فضاء حر

حزب الإصلاح .. صراع من أجل البقاء

 

 

مرحلة الفراغ هي اللحظة الراهنة، يدرك حزب الإصلاح أهميتها ويعرف أنه إن لم يستغلها ويُجِدِ الإمساك بخيوطها ويوظفها لمصلحة الحزب والجماعة سيكون قد ضيع فرصة كبيرة لن تتكرر له في قادم الأيام، لذلك فحزب الإصلاح اليوم يدير مرحلة الفراغ، ويعمل على ملئها بما يخدم مستقبل الحزب ويؤمن له سد ثغرات المراحل القادمة التي سيجد نفسه لا محالة في مواجهتها، ورغم أنها خطوة ذكية من حزب الإصلاح إلا أنها غير أخلاقية وتتنافى مع شرف العمل السياسي والحزبي الوطني النزيه، ولكي لا يقول البعض إنني أتجنى على حزب الإصلاح بهدف التشويه، سأطرح بعض النقاط باختصار شديد تدل على ما أقول وترجح ما ذهبت إليه من نقد بناء لحزب الإصلاح ومن تلك النقاط ما يلي:

 

• بعد تقاسم الإصلاح السلطة مع شريكه المؤتمر نرى أن الأول وبكل وضوح يستغل نفوذه ليقوم بتصفيات في الوظيفة العامة ومناصب العمل المدني ومراكز القوى، وبالذات المراكز العسكرية ليملأها بأتباعه وأنصاره من أصغر درجة إلى أعلاها.

 

•يعمل حزب الإصلاح وبخطى حثيثة على تعطيل مشروع الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس هادي لأسباب عدة أهمها إقصاء عدد من الأطراف السياسية والثورية القوية والفاعلة التي تشكل مصدر قلق دائم له.

 

•تفكيك الحالة الثورية في البلاد عبر إخلاء الساحات بهدف الإسقاط التام لمبدأ التغيير عبر الفعل الثوري السلمي الذي بدأ يتنامى من جديد في الساحات بعد تغييبه لفترة عقب توقيع المبادرة الخليجية.

 

•تعطيل بنود المبادرة الخليجية التي تنص على عدد من النقاط الهامة مثل فرض الشراكة السياسية بين جميع الأطراف السياسية والثورية وهيكلة الجيش والإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية وغيرها.

 

•إقصاء شركاء العمل السياسي وبالذات شركاء المبادرة الخليجية وتحييدهم عن المشاركة الفاعلة في تشكيل ملامح المرحلة السياسية القادمة للبلاد.

 

•إضعاف دور الرئيس هادي حتى لا يكون مصدر قوة ويصبح رجل التوازنات السياسية في المراحل القادمة. وكذلك تعطيل دوره المرحلي في إعادة هيكلة الجيش حسب ما تنص عليه بنود المبادرة الخليجية.

 

هذه الأعمال والممارسات وغيرها الكثير يعمل حزب الإصلاح على تمريرها وتنفيذها كسياسات استباقية واحترازية مما قد تنتجه حالة الفراغ والفوضى القائمة في البلاد.

 

***

إن حزب الإصلاح يعيش حالة قلق دائم من استفادة الغير من هذه الثورة، فهو حين أدرك بأن سقوط النظام أصبح وشيكاً لا محالة وأن في الساحة أكثر من لاعب مؤثر غيره، بدأ الإصلاح يناور ويحاور ويعقد الصفقات المسبقة حتى لا يفاجأ بشركاء أقوياء لا يستطيع مجاراتهم سياسياً أولاً، و(عسكرياً ثانياً حسب هواجسه السرية الداخلية)، وهذا القلق ينبئ عن أمرين:

الأول: اهتزاز كبير في الثقة بقدرة الحزب على التأثير السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المرحلة الجديدة أي ما بعد سقوط كل النظام، وقد يكون ذلك مبنياً على دراسات واستطلاعات خاصة داخلية غير معلنة.

الثاني: انعدام الرؤية الواضحة للحزب في التعامل مع المرحلة القادمة، بمعنى آخر أن حزب الإصلاح ليس لديه برنامج حقيقي واضح المعالم مبني على تحقيق المصلحة العامة للأمة، لأن برنامجاً من هذا النوع سيكون خاضعاً لميدان التنافس الشريف مع بقية الشركاء، والدخول في سباق من هذا النوع هو رهان قد يخسر وقد يفوز، والربح بالتأكيد سيكون للأفضل، والأفضل طبعاً سيسقط مشاريع المصلحة الخاصة لتبقى المصلحة العامة للشعب هي العليا، وهذا ما لا يستطيع حزب الإصلاح ولا يجرؤ على الرهان عليه، لأسباب عديدة منها:

•        تاريخه السياسي الطويل المبني على عقد الصفقات وليس على الدخول في منافسات حرة ونزيهة.

•        تكوينه السياسي القائم على أيديولوجية عقائدية دينية ضيقة الحدود، وهو ما لم تعد المجتمعات تستسيغه أو تقبله.

•        الواقع الجديد الذي تنامت فيه مكونات سياسية جديدة قوية وفاعلة وبالتأكيد يدرك الإصلاح حجمها وتأثيرها على الساحة اليمنية، ولن يكون التنافس معها أمراً سهلاً.

***

من ناحية أخرى رغم الوقت الطويل الذي قضاه حزب الإصلاح في أوساط المجتمع اليمني إلا أنه لم يتمكن من اكتساب أصالة وجوده من عمق المجتمع اليمني ولم يستطع إثبات انتمائه لعمق هذا المجتمع، بل كان دوماً يقدم نفسه ككيان دخيل غير مرغوب فيه، وبالتالي كانت ممارساته وسياساته تجاه المجتمع بكل مكوناته تنطلق من هذا المستوى المريب، فحين يجد الفرصة سانحة له للوصول إلى السلطة نجده يحرص أشد الحرص على الكسب والاستغلال للحفاظ على ذاته وبناء كيانه الحزبي الضيق، فطوال فترة وجوده في السلطة كان يخوض صراعاً من أجل البقاء لا من أجل مصالح الشعب والوطن، لأنه يعتبر وصوله إلى مراكز النفوذ فرصة للـ(فيد) والكسب لا لخدمة الناس والمحرومين والفقراء والمحتاجين، ولو بحثنا في تاريخ حزب الإصلاح طوال مشاركته في الحكم عن عدد المشاريع والخدمات التي قدمها للشعب اليمني أو حتى القضايا التي تبناها وناضل من أجلها لصالح المجتمع لوجدنا بكل أسف أن قائمته في هذا المجال خالية تماماً من أي رقم، بل على العكس سنجد وبكل وضوح أنه حقق أرقاماً باهظة ومتنوعة من الاستثمارات الاقتصادية التي جُيرت لحساب حزب الإصلاح ومثلت استنزافاً واسعاً لاقتصاد المواطن اليمني، وأسهمت في خلق طبقة رأسمالية واسعة الثراء من رموزه ومعظم قادته وكوادره، على حساب طبقة مسحوقة حادة الفقر، وهي عامة الشعب.

والأدهى من ذلك أن حزب الإصلاح يستغل تضحيات الآخرين للتكسب من خلالها وتاريخه مليءٌ بالشواهد على ذلك، فها هو اليوم يستغل ثورة الشعب ليصل إلى السلطة عبر صفقات غير مشروعة وضد إرادة الجماهير الغفيرة من أبناء الشعب اليمني الذين خرجوا في ثورة عارمة ضد نظام الظلم والاستبداد، وذلك عبر القفز على موجة الثورة الشعبية لا ليكون شريكاً لأبناء الشعب في ثورتهم، وإنما ليكون شريكاً لنظام الفساد والاستبداد الذي ثار الشعب لإسقاطه، ففي هذه التجربة الثورية الحديثة التي لم تجف بعد دماء شهدائها كشفت الأحداث أن حزب الإصلاح يرى في الثورة فرصة سانحة له لكسب المزيد من المصالح، وعقد الصفقات السياسية حتى لو أدت إلى إعادة إنتاج منظومة الفساد من جديد وبقاء النظام الذي ثار الشعب من أجل إسقاطه، ضارباً عرض الحائط ثورة الشعب وكل تضحياته، بل وزاد حزب الإصلاح سوءًا على سوئه بأن منح قتلة الثوار والشهداء من أبناء الشعب قانون حصانة من الملاحقة والمحاكمة بمصادقة كاملة من جميع أعضاء كتلة الإصلاح البرلمانية، وهذه وحدها جريمة جماعية وفضيحة كبرى في حق حزب يدعي أنه إصلاح إسلامي.

وليست هذه هي المرة الأولى لاستغلال حزب الإصلاح تضحيات الشعب، ففي حرب عام 94م ضد أبناء الجنوب تحالف مع السلطة من أجل شن أكبر عملية سطو مسلح في تاريخ اليمن، وأبشع جرائم القتل والنهب واستباحة الأعراض والأموال في حق شعب بأكمله، تحت مبرر الحفاظ على الوحدة،÷ رغم أن حزب الإصلاح كان من ألد أعداء الوحدة، وفي حروب السلطة ضد أبناء صعدة يمارس دوره المعتاد في التسلق إلى السلطة عبر الدماء والحروب، المهم أن يصل إلى السلطة بأي ثمن، فالغاية تبرر الوسيلة في قاموس حزب الإصلاح.

هذا هو حزب الإصلاح (الإسلامي) وهذه هي سياسته الرعناء القائمة على التكسب من تضحيات الآخرين والسطو على حقوقهم وآمالهم وتطلعاتهم.


***

ما يجب أن يدركه حزب الإصلاح هو أن عجلة التغيير قد دارت في البلاد ولا يمكن إيقافها، وأن دولة الحزب الواحد لم تعد ممكنة، والمراهن على ذلك خاسر لا محالة، وأن فرصة التصحيح لا زالت قائمة, ومن الأجدر والحكمة أن يسهم الجميع في إدارة عملية تغيير حقيقي، وجوهري تقوم ضمن شراكة وطنية شاملة من خلال تفعيل دور كل القوى السياسية والثورية، ومنظمات المجتمع المدني لتقوم بدور فاعل ومؤثر يجر عجلة العمل السياسي إلى السلم الأهلي ويحقق الأمن والاستقرار والحيلولة دون إدخال البلاد في أتون صراعات دموية، واغتيالات وتفجيرات وأعمال إرهابية نحن في غنى عنها.


المصدر: صحيفة الأولى 


 

زر الذهاب إلى الأعلى